أنساب قبائل الإمارات إلى أين؟
الحلقة الثالثة
بعد تقليب صفحات بعض الكتب المؤلفة في
أنساب قبائل الإمارات والتدقيق فيما جاء فيها من عبارات؛ بدا لي أن أضع أفكارها
أمام القارئ كي ينظر فيها بعينه ويحكم عليها بنفسه، وكي نصحح ما ند فيها من أخطاء،
وفي الوقت نفسه نمنع بعض الأفواه التي تتكلم علينا من غير تحقيق ولا تدقيق، وأتمنى
من القراء والكتّاب كذلك أن يتقبلوا كلامي بصدر رحب، ولن تجد في تصحيحاتنا قذفاً
أو شتماً أو تنقصاً من أي أحدٍ كان؛ لأن مقصدنا هو تصحيح ما شاب تاريخنا وأنسابنا
من أخطاء.
واعلم أخي القارئ أن الذي يريد الحقيقة
لابد له أن يتأنى ولا يتعجل وأن يبحث عنها بعقلٍ وحكمة ولا يتعصب إلا للحق، ولا
يتهم غيره جزافاً من غير دليلٍ ولا برهان، لأن العبد محاسب لا محالة يوم القيامة
على كل كلمة ينطق بها.
وهنا سوف نقوم بتصحيح خطأين أولاهما:
تصحيح ما نُقل عن وثيقة إنجليزية عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله
وطيّب ثراه وجعل الجنة مأواه- التي قال فيها: (نحن أبناء ياس بن أحمد).
وكلامه واضحٌ جداً في الوثيقة وهو أن
بني ياس هم أبناء ياس بن أحمد، والخطأ ما نُشر في بعض الكتب بأن الشيخ زايد رحمه
الله قال: (نحن أبناء أحمد بن ياس)! وهذا خطأ لا شك فيه؛ والذي يؤكد ما أقوله أضع
أمام القارئ صورة عن الوثيقة لينظر بعينه ويحكم بنفسه، والتي جاء فيها أن الشيخ
زايد بن سلطان إنما قال: (نحن أبناء ياس بن أحمد).
وهذه صورة من الوثيقة الإنجليزية:
ولكن
السؤال لماذا تم قلب الاسم من ياس بن أحمد إلى أحمد بن ياس؟
أقول:
لأنه لا يوجد في كتاب ابن الكلبي ياس بن أحمد، وإنما الموجود أحمد بن ياس في عمود
قضاعة، ولا يوجد دليل على أنه هو المقصود، إذاً الهدف الرئيسي من قلب الاسم هو لزق
بني ياس بقبيلة قضاعة من غير دليل ولا برهان ولا قرينة تدل عليه.
والخطأ الثاني:
نُشر في بعض الكتب أن نسبة رواشد آل بوفلاسة الذين منهم آل مكتوم الكرام إلى رواشد
قضاعة، وكان الدليل على ذلك ما جاء في كتاب (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) (ص131)
للقلقشندي قوله: (الرواشد من كنانة عذرة من قضاعة القحطانية)!!
أقول: وهذا كذلك من الأخطاء التي لابد
من تصحيحها، ولهذا قمت بالرجوع إلى كتاب القلقشندي الذي وجدت مكتوباً فيه كلاماً
مختلفاً عما تم نقله منه، -وهذا خلاف الأمانة العلمية في النقل، وتقويل علماء
الأنساب ما لم يقولوا به- وإنما قال القلقشندي: (الرواشد بطن من الحماسنة من كنانة
عذرة من القحطانية، ومساكنهم الدقهلية والمرتاحية في الديارالمصرية، ذكرهم
الحمداني).
وهذه صورة من كتاب القلقشندي:
إذاً القلقشندي لم يذكر قضاعة، وإنما
أضافها ذلك الكاتب من عنده، والرواشد المعنيين في كتاب القلقشندي يسكنون في مصر
وليسوا في دبي!
إذاً ما علاقة رواشد آل بوفلاسة مع
رواشد مصر؟ وأين الدليل على أنهم هم؟ ومعلومٌ أن اسم الرواشد يوجد في قبائل كثيرة،
من ذلك ما ذكره القلقشندي في نفس الكتاب ونفس الصفحة بقوله: (الرواشد بطن من لبيد
بن سليم من العدنانية، منازلهم مع قومهم بني لبيد ببرقة).
والرواشد من السّوطة من بني سعد من
عُتيبة كما في (معجم قبائل المملكة العربية السعودية) لحمد الجاسر.
والرواشد في القبائل العمانية كما في
كتاب (إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان) للسيابي.
والرواشد في القبائل العراقية كما في
كتاب (عشائر العراق) لعباس العزاوي.
والرواشد في المرر، والرواشد في آل بو
مهير، وغيرهم كثير.
فنسبة رواشد آل بوفلاسة إلى رواشد
دقهلية مصر ليس عليه دليل، فلا ينبغي إذاً ربط القبائل الإماراتية بقبائل أخرى من
غير دليل.
وأتمنى بما كتبت هنا أن أكون قد صحّحت
بعض الأخطاء التي نُشرت في الساحة الأدبية والتي تمس نسب قبائل الإمارات الأصيلة.
كتبه
علي أحمد الكندي المرر
باحث في التاريخ والتراث المحلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق