الأربعاء، 4 يونيو 2014

تداول الوثائق التاريخية


تداول الوثائق التاريخيّة

 


إن للوثائق أهمية كبيرة في التثبت من صحّة الأخبار وعدمها، وهي مستند مُوثَّقٌ يعطيك الحقّ فيما تستدلُّ به، والوثيقة التاريخيّة هي معلومات تاريخيّة مكتوبةٌ في ورقةٍ لها قيمة، أو صورة تشهد بصحة شكل معيّن، أو تسجيل مرئي أو صوتي يروي فيه صاحبه ما شاهده وأدركه بنفسه أو سمعه بأذنه.

وعرّف أهل القانون الوثيقة بأنها: مستند مكتوب أو مصوّر أو مسجّل ذو أهميّة رسميّة أو تاريخيّة يُستدلُّ به لدعم دَينٍ او حُجّة أو ما جرى مجراهما، وتحمل الوثيقة الشّكل الأصلي أو الرّسمي أو القانوني وتزوّد بالدليل والمعلومات.

ومن هذا التعريف يتبيّن أهمية الوثائق التاريخيّة، وضرورة المحافظة عليها فهي مصدرٌ حقيقيٌّ لكتابة التاريخ والبحث فيه، لأن إثبات التاريخ وكتابته لا يمكن إلا بتوفر الأدلة والشواهد الصحيحة، والوثائق القديمة كالشاهد على الأحداث الماضية، وخصوصاً إذا كانت الأحداث في عصور قديمة.

إلا أنه لا ينبغي نشر كل ما يوجد في الوثائق، بل لابد من فحصها ومعرفة مدى خطورتها فإن خطورة الوثيقة تكمن في محتواها، فهناك وثائق تتعلق بأمورٍ سياسية سرّية، وخطط حربٍ ومواقع عسكرية، ورسم حدودٍ، ومنها ما يتعلق بأخبار مشيخات القبائل والخلاف الواقع بينهم، والمعارك التي جرت في أرضهم والقصائد التي قِيلت فيهم، وغير ذلك من أمور لا يليق إخراجها، قال الدكتور محمد الشمّري: (الوثيقة لا تعني النص المخطوط أو الخبر المروي فقط بل إن مضمونها أوسع من ذلك فهي تشمل القبور والأبنية والأسلحة والأدوات والملابس والسجلات الرسميّة والمعاهدات والاتفاقيات والوثائق السياسية وكلها آثار مادية كما تشمل الوثيقة الروايات والقصص والأساطير والأقوال والحكم سواء كانت شفوية مروية أم مكتوبة فضلاً عن الوثائق الكتابية أو اليدوية مثل التصاوير والمشاهد التاريخيّة).

وإن إظهار ما تحويه الوثائق من أخبار أقوام وقصص معارك أو قصائد غرامية أو هجائية فيه شيء من الخطورة، تحتاج في التعامل معها إلى أمانة متناهية وإشراف من باحثين ذوي خبرة وأمانة وإخلاص، وإلا وقعت الوثائق تحت أيدي المتطفلين على البحث العلمي، مما ينتج عنه ما لا يحمد عقباه.

وقد رأينا بعض الباحثين يتعجل في نشر الوثائق ظناً منه أنها تفيد بحثه أو تشهد على صحة قوله ورأيه، وهي في الحقيقة تحتوي على أحداث قد عفا عليها الزمن، وقد نشرت بعض الوثائق مؤخراً تتحدث عن خلافات على مناطق حدودية، ما كان ينبغي نشرها، وأصبح بعض الناس يتداول وثائق كان الواجب تسليمها للمركز الوطني للوثائق والبحوث، أو استشارته قبل نشرها، تجنباً عن الوقوع في الخطأ وإن كانت غير مقصود.

أنساب قبائل الإمارات إلى أين؟


أنساب قبائل الإمارات إلى أين؟

الحلقة الثالثة

 

بعد تقليب صفحات بعض الكتب المؤلفة في أنساب قبائل الإمارات والتدقيق فيما جاء فيها من عبارات؛ بدا لي أن أضع أفكارها أمام القارئ كي ينظر فيها بعينه ويحكم عليها بنفسه، وكي نصحح ما ند فيها من أخطاء، وفي الوقت نفسه نمنع بعض الأفواه التي تتكلم علينا من غير تحقيق ولا تدقيق، وأتمنى من القراء والكتّاب كذلك أن يتقبلوا كلامي بصدر رحب، ولن تجد في تصحيحاتنا قذفاً أو شتماً أو تنقصاً من أي أحدٍ كان؛ لأن مقصدنا هو تصحيح ما شاب تاريخنا وأنسابنا من أخطاء.

واعلم أخي القارئ أن الذي يريد الحقيقة لابد له أن يتأنى ولا يتعجل وأن يبحث عنها بعقلٍ وحكمة ولا يتعصب إلا للحق، ولا يتهم غيره جزافاً من غير دليلٍ ولا برهان، لأن العبد محاسب لا محالة يوم القيامة على كل كلمة ينطق بها.

وهنا سوف نقوم بتصحيح خطأين أولاهما: تصحيح ما نُقل عن وثيقة إنجليزية عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله وطيّب ثراه وجعل الجنة مأواه- التي قال فيها: (نحن أبناء ياس بن أحمد).

وكلامه واضحٌ جداً في الوثيقة وهو أن بني ياس هم أبناء ياس بن أحمد، والخطأ ما نُشر في بعض الكتب بأن الشيخ زايد رحمه الله قال: (نحن أبناء أحمد بن ياس)! وهذا خطأ لا شك فيه؛ والذي يؤكد ما أقوله أضع أمام القارئ صورة عن الوثيقة لينظر بعينه ويحكم بنفسه، والتي جاء فيها أن الشيخ زايد بن سلطان إنما قال: (نحن أبناء ياس بن أحمد).

وهذه صورة من الوثيقة الإنجليزية:


ولكن السؤال لماذا تم قلب الاسم من ياس بن أحمد إلى أحمد بن ياس؟

أقول: لأنه لا يوجد في كتاب ابن الكلبي ياس بن أحمد، وإنما الموجود أحمد بن ياس في عمود قضاعة، ولا يوجد دليل على أنه هو المقصود، إذاً الهدف الرئيسي من قلب الاسم هو لزق بني ياس بقبيلة قضاعة من غير دليل ولا برهان ولا قرينة تدل عليه.

والخطأ الثاني: نُشر في بعض الكتب أن نسبة رواشد آل بوفلاسة الذين منهم آل مكتوم الكرام إلى رواشد قضاعة، وكان الدليل على ذلك ما جاء في كتاب (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) (ص131) للقلقشندي قوله: (الرواشد من كنانة عذرة من قضاعة القحطانية)!!

أقول: وهذا كذلك من الأخطاء التي لابد من تصحيحها، ولهذا قمت بالرجوع إلى كتاب القلقشندي الذي وجدت مكتوباً فيه كلاماً مختلفاً عما تم نقله منه، -وهذا خلاف الأمانة العلمية في النقل، وتقويل علماء الأنساب ما لم يقولوا به- وإنما قال القلقشندي: (الرواشد بطن من الحماسنة من كنانة عذرة من القحطانية، ومساكنهم الدقهلية والمرتاحية في الديارالمصرية، ذكرهم الحمداني).

وهذه صورة من كتاب القلقشندي:

 

إذاً القلقشندي لم يذكر قضاعة، وإنما أضافها ذلك الكاتب من عنده، والرواشد المعنيين في كتاب القلقشندي يسكنون في مصر وليسوا في دبي!

إذاً ما علاقة رواشد آل بوفلاسة مع رواشد مصر؟ وأين الدليل على أنهم هم؟ ومعلومٌ أن اسم الرواشد يوجد في قبائل كثيرة، من ذلك ما ذكره القلقشندي في نفس الكتاب ونفس الصفحة بقوله: (الرواشد بطن من لبيد بن سليم من العدنانية، منازلهم مع قومهم بني لبيد ببرقة).

والرواشد من السّوطة من بني سعد من عُتيبة كما في (معجم قبائل المملكة العربية السعودية) لحمد الجاسر.

والرواشد في القبائل العمانية كما في كتاب (إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان) للسيابي.

والرواشد في القبائل العراقية كما في كتاب (عشائر العراق) لعباس العزاوي.

والرواشد في المرر، والرواشد في آل بو مهير، وغيرهم كثير.

فنسبة رواشد آل بوفلاسة إلى رواشد دقهلية مصر ليس عليه دليل، فلا ينبغي إذاً ربط القبائل الإماراتية بقبائل أخرى من غير دليل.

وأتمنى بما كتبت هنا أن أكون قد صحّحت بعض الأخطاء التي نُشرت في الساحة الأدبية والتي تمس نسب قبائل الإمارات الأصيلة.
 
كتبه
علي أحمد الكندي المرر
باحث في التاريخ والتراث المحلي

المرر والمرّي


المرر والمرّي

 

عشيرة المرر تنتمي إلى قبيلة بني ياس المعروفة في شرق الجزيرة العربية، والمرر من العشائر الكبيرة فيها، وموطنها الأصلي هو منطقة الظفرة، سكنتها من مئات السنين، واشتهر رجالات عشيرة المرر بالدين والقضاء وبالشجاعة والفروسية، ومهروا في قريض الشِّعر، وكان لهم دورٌ كبيرٌ في أحداث السنين الماضية، لهم مواقف معروفة في الذود عن أرض هذا الوطن الغالي، أثنى عليهم كثير من الشعراء من ذلك ما قاله خميس بن زبادة المزروعي:

حظّه تردّى وطلّق داعي لعيانِ      غضّ النهد لي يقنّد صافي الدلّه

من لابةٍ يعتزون عيال مروانِ        نهار حصن القريّب ما نووا ذلّه

وقال أحمد بن بليد:

قم يا نديبي وارتحل فوق ظبيان    مردوف واسبق من طيورٍ يحومون

لي روحوهن م البطانه مسيّان     العصر في عرجان قحموا يصلّون

والصبح صبّح ديرة أولاد مروان   من غلمةٍ في حرفة الموت يردون

عليه ردّوا لي سلامٍ بعرفان        عسى أنّهم في حكمهم ما يزولون

انتقل جزء كبيرٌ من المرر إلى أبوظبي ثم منه إلى دبي والشارقة، وجزءٌ منهم دخل في قبائل أخرى كالمناصير والمزاريع والهوامل والمحاربة والقبيسات، وأكثرهم يسكن في دبي، وبقيّة منهم يسكنون في الظفرة إلى الآن، ومنهم من يسكن في أبوظبي والعين والشارقة ورأس الخيمة.
وبعد هذا التعريف الموجز عن هذه العشيرة الأصيلة، أحببت أن أنبّه على أن عشيرة المرر الياسيّة تختلف تماماً عن قبيلة آل مرّة الياميّة التي تسكن في الأراضي السعودية والقطرية، لأنه حصل إشكال عند بعض الناس لما وجدوا أن المرر في دبي يقولون عن أنفسهم فلان المرّي، وهو نفس النسبة لدى آل مرة الذين ينتسبون إلى المرّي، وظنّوا بأن المري في دبي من آل مرة وأنهم يختلفون عن المرر في الظفرة، وهذا غير صحيح، فإن التشابه في النسبة إلى المرّي لا يستلزم أنهم من نفس القبيلة، والصحيح أن المرّي في دبي والمرر في الظفرة جميعهم من المرر الياسيّة وهم أبناء عمومة، ويتوزعون في بطونٍ معروفة، ومن أشهر عوائل المرر في دبي آل مجرن، وآل حبتور، وآل مشوط، وآل طوق، وآل غباش، وغيرهم، وفي أبوظبي والظفرة القنيصات، وآل بليد، وآل بوملحا، وآل جرش، وآل جبارة، وآل بشر، وغيرهم.