كتبها: علي أحمد الكندي المرر
لقد عشت في بيتٍ يملئه الحب والحنان، بين أسرةٍ صغيرةٍ تتكون من والديّه وجدّتي وجدّي وأخي وأخواتي، نسكن في مدينة زايد، وكان لنا جيران هم كذلك من أهلي وأقاربي، فعن يميننا بيت جدّي وعمّ والدي القاضي مصبح الكندي مع أبناءه، وعن يسارنا بيت زوج عمّتي عبيد بن كنيش الهاملي.
كنا مع جيراننا كالبيت الكبير والأسرة الواحدة، فأنا لما كان عمري ثمان سنوات تقريباً كنت أدخل جميع تلك البيوت من غير استئذان أو سابق موعد، وكنت ألعب وأمرح مع أبناء عمومتي وعمتي، مما أحدثت تلك المجاورة وذلك الترابط بيننا صداقة ومودة.
وكان والدي أحمد الكندي محبوباً لدى أهله وجيرانه، وكنت ألاحظ ذلك في معاملتهم معه، وكان له كذلك أصدقاء كثر يزورونه في البيت، ويعاملونه معاملة إجلال ومحبة واحترام، ولهذا قال الشاعر غانم الفندي المزروعي:
ليتني شروات بالكندي اللي كل الناس يحبونه
ولكني لم أكن أعلم سر تلك المحبة.
والعجيب أن والدي رحمه الله كذلك كان محبوباً حتّى من الأعاجم الذين يعملون لديه أو يحتكون به، وقد عاصرت والدي ورأيت معاملته مع الناس، ولكني كنت أراها من الأمور الطبيعية التي نشأ عليها البشر، أو من الأمور التي لا بد أن يفعلها الناس، ولما كبرت وقابلت بعض أولئك الأصدقاء أو أولئك الذين عملوا مع والدي، تذكرت مواقف كثيرة لوالدي معهم، فحينها عرفت السر، وتيقنت بأن المحبة لم تكن محبة فطرة كمحبة أبوة أو أمومة، بل جاء ذلك الاحترام وتلك المحبة بالأدب والتقدير الذي كان والديه يفعله لجميع من يقابله من الناس.
فمن الذكريات التي لا أنساها، أنه كان عندنا طباخ جديد، فلما عمل الغداء جئنا وجلسنا كي نأكل، فقال أبي انتظروا حتى يأتي الطباخ ليأكل معنا، لأنه كان الطباخ السابق والسائق كذلك يأكلون معنا في إناء واحد، وهذا الطباخ الجديد لا يعلم ذلك، فانتظرنا وانتظرنا ولم يأتِ حتى ذهب أبي إليه كي يناديه، ولكن الطباخ أصابه إحراج ورفض أن يأكل معنا وقال سوف آكل بعدما تنتهون من الأكل، فأصر أبي وأعزم عليه أن يأتي، وقال له: لن نأكل إذا لم تأكل معنا، وفعلاً جاء الطباخ وأكل معنا على استحياء.
فأقول: أتعلمون ما أنتجت تلك المعاملة مع الطباخ، لا شك الاحترام والتقدير لوالدي، بل وجعلت ذلك الطباخ يجد ويخلص في عمله مع والدي.
ولما نذهب إلى مزرعتنا في ليوا، كنا نمر على الدكاكين نشتري الكولا والكيك والحلويات، فكان والدي يشتري كذلك الكولا والعصائر ولكن لمن؟
كان يهدي ما يشتريه للمزارع الذي يعمل لديه، أذكر ذلك المزارع البلوشي، وهو يستحي أن يأخذ العصير من يد والدي، ولكن أبي رحمه الله كان دائماً يصر على الإعطاء، وربما يجلس مع المزارع ويشربون العصائر معاً.
وللكلام بقية.........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق