كتبها: علي أحمد الكندي المرر
كانت بين والدي والشيخ حمد بن حمدان آل نهيان صحبة قوية وصداقة حميمة، فكان يذهب والدي مع الشيخ في حله وترحاله، حتى أني ذهبت في يوم من الأيام لزيارة الشيخ حمد بن حمدان حفظه الله ورعاه في منزله في أبوظبي، فكان الشيخ يحدثني عن والدي، فقال لي: كنا مسافرين إلى لندن فجلسنا فيها مدة طويلة، وكان أحمد الكندي يريد أن يرجع إلى أهله، ويلح علي ولكني أقول له انتظر حتى ننهي أعمالنا ثم نرجع، وأنا تقصدت التأخير قلت لعل الشاعر تجود قريحته الشعرية بقصيدة، وفعلاً ما هي إلا أيام قليلة إلا والشاعر أحمد الكندي يأتي ويقول:
يا طايره طايره فى الجو شليني -*- مادام مقصدك صوب اهلي وخلاني
انا اترجاك وانتي لا تخليني _*_ أحب داري ولا دار البريطاني
يا ما حلا خاطري يومٍ توديني _*_ واشوف بيتي وخلاني وبزراني
هم يرتجوني كما رجوى الطراشيني _*_ والطفل لي جيتهم قال اللبو جاني
اصغارهم ترتجيني قبل ذا الحيني _*_ وانا لهم مرتجى والقلب ولهاني
غريب ديره وسيعه بالبساتيني _*_ حلوة مناظر لها ما ني بطرباني
أبغي الصبر لكن الأشواق تشويني _*_ صوب المحبين لا أول ولا ثاني
قال الشيخ حمد بن حمدان: ثم بعد أن قال تلك القصيدة رجعنا إلى الإمارات.
ولما كنت أذهب إلى قصر الشيخ حمد بن حمدان كنت أقابل كذلك أصحاب الشيخ، وفي مرة من المرات جاءني رجل باكستاني يعمل لدى الشيخ حمد، وقد أخبروه بأنني ابن أحمد الكندي، فنظر إلي وهو يبكي فسلم عليّ ثم حضنني بشدة، وأنا أحاول أن أخفف عليه حزنه وبكاءه، وكنت أريد أن أسأله عن سبب بكائه، ولكنه جاوبني قبل أن أسأله، فقال: كان أبوك رحمه الله رجلاً طيّباً رحيماً عطوفاً، إذا جاء في القصر يأتي إلينا ويمازحنا، وإذا وضع الغداء أو العشاء للشيخ وأصحابه، فكان أحمد الكندي يأتينا بالأكل وبعض المرات يأكل معنا، ويعاملنا معاملة الأخ لأخيه، وكنا نتعجب من وجود رجل مثله.
وكما قيل: إذا عرف السبب بطل العجب، فهذه إحدى المواقف التي مرت علي وما زلت أذكرها جيداً، وهي تدل على الصفات التي كان يحملها والدي رحمه الله، والأدب الذي يتحلى به.
فإنّ حسن المعاملة وحسن التأدب مع الناس يورث تقدير الناس ومحبتهم لك، فأبي رحمه الله لم يكن يسب أحداً أو يتكلم في أحد، ولا أذكر أن له عدو، بل جميع الناس كانوا يحبونه لأنه يحبهم ويحترمهم، وإذا بحثت في شعره لن تجد فيه أي هجاء أو طعن في أحد، إنما ستجد قصيد الذكريات والغزل، وستجد كذلك قصيد الثناء والتقدير والمحبة والمودة.
وللكلام بقية .....