الخميس، 29 سبتمبر 2011

ذكرياتي مع والدي أحمد الكندي (2)

كتبها: علي أحمد الكندي المرر
كانت بين والدي والشيخ حمد بن حمدان آل نهيان صحبة قوية وصداقة حميمة، فكان يذهب والدي مع الشيخ في حله وترحاله، حتى أني ذهبت في يوم من الأيام لزيارة الشيخ حمد بن حمدان حفظه الله ورعاه في منزله في أبوظبي، فكان الشيخ يحدثني عن والدي، فقال لي: كنا مسافرين إلى لندن فجلسنا فيها مدة طويلة، وكان أحمد الكندي يريد أن يرجع إلى أهله، ويلح علي ولكني أقول له انتظر حتى ننهي أعمالنا ثم نرجع، وأنا تقصدت التأخير قلت لعل الشاعر تجود قريحته الشعرية بقصيدة، وفعلاً ما هي إلا أيام قليلة إلا والشاعر أحمد الكندي يأتي ويقول:
يا طايره طايره فى الجو شليني   -*-  مادام مقصدك صوب اهلي وخلاني
انا اترجاك وانتي لا تخليني     _*_   أحب داري ولا دار البريطاني
يا ما حلا خاطري يومٍ توديني   _*_   واشوف بيتي وخلاني وبزراني
هم يرتجوني كما رجوى الطراشيني  _*_ والطفل لي جيتهم قال اللبو جاني
اصغارهم ترتجيني قبل ذا الحيني    _*_    وانا لهم مرتجى والقلب ولهاني
غريب ديره وسيعه بالبساتيني    _*_   حلوة مناظر لها ما ني بطرباني
أبغي الصبر لكن الأشواق تشويني  _*_   صوب المحبين لا أول ولا ثاني
قال الشيخ حمد بن حمدان: ثم بعد أن قال تلك القصيدة رجعنا إلى الإمارات.
ولما كنت أذهب إلى قصر الشيخ حمد بن حمدان كنت أقابل كذلك أصحاب الشيخ، وفي مرة من المرات جاءني رجل باكستاني يعمل لدى الشيخ حمد، وقد أخبروه بأنني ابن أحمد الكندي، فنظر إلي وهو يبكي فسلم عليّ ثم حضنني بشدة، وأنا أحاول أن أخفف عليه حزنه وبكاءه، وكنت أريد أن أسأله عن سبب بكائه، ولكنه جاوبني قبل أن أسأله، فقال: كان أبوك رحمه الله رجلاً طيّباً رحيماً عطوفاً، إذا جاء في القصر يأتي إلينا ويمازحنا، وإذا وضع الغداء أو العشاء للشيخ وأصحابه، فكان أحمد الكندي يأتينا بالأكل وبعض المرات يأكل معنا، ويعاملنا معاملة الأخ لأخيه، وكنا نتعجب من وجود رجل مثله.
وكما قيل: إذا عرف السبب بطل العجب، فهذه إحدى المواقف التي مرت علي وما زلت أذكرها جيداً، وهي تدل على الصفات التي كان يحملها والدي رحمه الله، والأدب الذي يتحلى به.
فإنّ حسن المعاملة وحسن التأدب مع الناس يورث تقدير الناس ومحبتهم لك، فأبي رحمه الله لم يكن يسب أحداً أو يتكلم في أحد، ولا أذكر أن له عدو، بل جميع الناس كانوا يحبونه لأنه يحبهم ويحترمهم، وإذا بحثت في شعره لن تجد فيه أي هجاء أو طعن في أحد، إنما ستجد قصيد الذكريات والغزل، وستجد كذلك قصيد الثناء والتقدير والمحبة والمودة.
وللكلام بقية .....

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

ذكرياتي مع والدي أحمد الكندي (1)

كتبها: علي أحمد الكندي المرر
لقد عشت في بيتٍ يملئه الحب والحنان، بين أسرةٍ صغيرةٍ تتكون من والديّه وجدّتي وجدّي وأخي وأخواتي، نسكن في مدينة زايد، وكان لنا جيران هم كذلك من أهلي وأقاربي، فعن يميننا بيت جدّي وعمّ والدي القاضي مصبح الكندي مع أبناءه، وعن يسارنا بيت زوج عمّتي عبيد بن كنيش الهاملي.
كنا مع جيراننا كالبيت الكبير والأسرة الواحدة، فأنا لما كان عمري ثمان سنوات تقريباً كنت أدخل جميع تلك البيوت من غير استئذان أو سابق موعد، وكنت ألعب وأمرح مع أبناء عمومتي وعمتي، مما أحدثت تلك المجاورة وذلك الترابط بيننا صداقة ومودة.
وكان والدي أحمد الكندي محبوباً لدى أهله وجيرانه، وكنت ألاحظ ذلك في معاملتهم معه، وكان له كذلك أصدقاء كثر يزورونه في البيت، ويعاملونه معاملة إجلال ومحبة واحترام، ولهذا قال الشاعر غانم الفندي المزروعي:
ليتني شروات بالكندي     اللي كل الناس يحبونه
ولكني لم أكن أعلم سر تلك المحبة.
والعجيب أن والدي رحمه الله كذلك كان محبوباً حتّى من الأعاجم الذين يعملون لديه أو يحتكون به، وقد عاصرت والدي ورأيت معاملته مع الناس، ولكني كنت أراها من الأمور الطبيعية التي نشأ عليها البشر، أو من الأمور التي لا بد أن يفعلها الناس، ولما كبرت وقابلت بعض أولئك الأصدقاء أو أولئك الذين عملوا مع والدي، تذكرت مواقف كثيرة لوالدي معهم، فحينها عرفت السر، وتيقنت بأن المحبة لم تكن محبة فطرة كمحبة أبوة أو أمومة، بل جاء ذلك الاحترام وتلك المحبة بالأدب والتقدير الذي كان والديه يفعله لجميع من يقابله من الناس.
فمن الذكريات التي لا أنساها، أنه كان عندنا طباخ جديد، فلما عمل الغداء جئنا وجلسنا كي نأكل، فقال أبي انتظروا حتى يأتي الطباخ ليأكل معنا، لأنه كان الطباخ السابق والسائق كذلك يأكلون معنا في إناء واحد، وهذا الطباخ الجديد لا يعلم ذلك، فانتظرنا وانتظرنا ولم يأتِ حتى ذهب أبي إليه كي يناديه، ولكن الطباخ أصابه إحراج ورفض أن يأكل معنا وقال سوف آكل بعدما تنتهون من الأكل، فأصر أبي وأعزم عليه أن يأتي، وقال له: لن نأكل إذا لم تأكل معنا، وفعلاً جاء الطباخ وأكل معنا على استحياء.
فأقول: أتعلمون ما أنتجت تلك المعاملة مع الطباخ، لا شك الاحترام والتقدير لوالدي، بل وجعلت ذلك الطباخ يجد ويخلص في عمله مع والدي.
ولما نذهب إلى مزرعتنا في ليوا، كنا نمر على الدكاكين نشتري الكولا والكيك والحلويات، فكان والدي يشتري كذلك الكولا والعصائر ولكن لمن؟
كان يهدي ما يشتريه للمزارع الذي يعمل لديه، أذكر ذلك المزارع البلوشي، وهو يستحي أن يأخذ العصير من يد والدي، ولكن أبي رحمه الله كان دائماً يصر على الإعطاء، وربما يجلس مع المزارع ويشربون العصائر معاً.
وللكلام بقية.........