تداول الوثائق التاريخيّة
إن للوثائق أهمية كبيرة في التثبت من
صحّة الأخبار وعدمها، وهي مستند مُوثَّقٌ يعطيك الحقّ فيما تستدلُّ به، والوثيقة
التاريخيّة هي معلومات تاريخيّة مكتوبةٌ في ورقةٍ لها قيمة، أو صورة تشهد بصحة شكل
معيّن، أو تسجيل مرئي أو صوتي يروي فيه صاحبه ما شاهده وأدركه بنفسه أو سمعه
بأذنه.
وعرّف أهل القانون الوثيقة بأنها: مستند
مكتوب أو مصوّر أو مسجّل ذو أهميّة رسميّة أو تاريخيّة يُستدلُّ به لدعم دَينٍ او
حُجّة أو ما جرى مجراهما، وتحمل الوثيقة الشّكل الأصلي أو الرّسمي أو القانوني
وتزوّد بالدليل والمعلومات.
ومن هذا التعريف يتبيّن أهمية الوثائق
التاريخيّة، وضرورة المحافظة عليها فهي مصدرٌ حقيقيٌّ لكتابة التاريخ والبحث فيه،
لأن إثبات التاريخ وكتابته لا يمكن إلا بتوفر الأدلة والشواهد الصحيحة، والوثائق
القديمة كالشاهد على الأحداث الماضية، وخصوصاً إذا كانت الأحداث في عصور قديمة.
إلا أنه لا ينبغي نشر كل ما يوجد في
الوثائق، بل لابد من فحصها ومعرفة مدى خطورتها فإن خطورة الوثيقة تكمن في محتواها،
فهناك وثائق تتعلق بأمورٍ سياسية سرّية، وخطط حربٍ ومواقع عسكرية، ورسم حدودٍ،
ومنها ما يتعلق بأخبار مشيخات القبائل والخلاف الواقع بينهم، والمعارك التي جرت في
أرضهم والقصائد التي قِيلت فيهم، وغير ذلك من أمور لا يليق إخراجها، قال الدكتور
محمد الشمّري: (الوثيقة لا تعني النص المخطوط أو الخبر المروي فقط بل إن مضمونها
أوسع من ذلك فهي تشمل القبور والأبنية والأسلحة والأدوات والملابس والسجلات
الرسميّة والمعاهدات والاتفاقيات والوثائق السياسية وكلها آثار مادية كما تشمل
الوثيقة الروايات والقصص والأساطير والأقوال والحكم سواء كانت شفوية مروية أم
مكتوبة فضلاً عن الوثائق الكتابية أو اليدوية مثل التصاوير والمشاهد التاريخيّة).
وإن إظهار ما تحويه الوثائق من أخبار
أقوام وقصص معارك أو قصائد غرامية أو هجائية فيه شيء من الخطورة، تحتاج في التعامل
معها إلى أمانة متناهية وإشراف من باحثين ذوي خبرة وأمانة وإخلاص، وإلا وقعت
الوثائق تحت أيدي المتطفلين على البحث العلمي، مما ينتج عنه ما لا يحمد عقباه.
وقد رأينا بعض الباحثين يتعجل في نشر
الوثائق ظناً منه أنها تفيد بحثه أو تشهد على صحة قوله ورأيه، وهي في الحقيقة
تحتوي على أحداث قد عفا عليها الزمن، وقد نشرت بعض الوثائق مؤخراً تتحدث عن خلافات
على مناطق حدودية، ما كان ينبغي نشرها، وأصبح بعض الناس يتداول وثائق كان الواجب
تسليمها للمركز الوطني للوثائق والبحوث، أو استشارته قبل نشرها، تجنباً عن الوقوع
في الخطأ وإن كانت غير مقصود.